الثقافة والفنون

مما قرأت

البيان الختامي والتوصيات للندوة العاشرة ظاهرة الشذوذ الجنسي: قراءة واستشرافاً، تشخيصاً وعلاجاً

د/ إبراهيم عبدالله العبدالرزاق_القصيم _بريدة

بتوفيق من الله وتسديد، نظم مركز الأمير عبدالمحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية الندوة الدولية العاشرة بعنوان: ظاهرة الشذوذ الجنسي: قراءة واستشرافاً، تشخيصاً وعلاجاً، وقد عُقدت جلساتُها عن بُعد في ثلاثة أيام متتالية، وذلك في أيام السبت والأحد والاثنين 28-29 جمادى الثانية – 1 رجب 1444هـ الموافق 21-23 يناير 2023.
استهلت الندوةُ بآيات قرآنية ملهمة قدمتْ جملة من الهدايات الربانية في سياق موضوع الندوة من وجوه رئيسة. ثم ألقت الرئيسة العامة للمركز سمو الأميرة الأستاذة الدكتورة سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود كلمة مفتاحية، حيث أكدت في مستهل كلمتها تعقد الظاهرة وتركيبها وغموضها وخطورتها، بما دعا المركز إلى تخصيص ندوة دولية تعالج مختلف أبعادها، وقد حذرت في ثنايا الكلمة من مغبة الاستغناء وآثاره الوخيمة، انبثاقاً من قوله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى أن راه استغنى)، ودعتْ إلى ضرورة التفعيل المستمر لحركة البحث العلمي الرصين، مع بذل الوسع لتعزيز التعاون والشراكة والتكامل لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة على مختلف المستويات.
وإثر هذه الكلمة الضافية، ألقى الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبدالرحمن البريدي كلمة اللجنة العلمية في الندوة، حيث أبان عن بعض الحيثيات لعقد هذه الندوة، مشيراً إلى محاورها ، وقد أوضح أن اللجنة استقبلت واحداً وخمسين ملخصاً بحثياً، وبعد إخضاعها للتحكيم وفق الاشتراطات البحثية للندوة قُبل منها تسعة وعشرون ملخصاً بنسبة قبول 57%، ثم أعيد تحكيم الأوراق الكاملة فقُبل منها بشكل نهائي عشرون بحثاً بنسبة قبول 39%، وقد تنوعت الحقول المعرفية لتشمل: العلوم الإسلامية وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي والتاريخ والقانون والاقتصاد وعلم الأحياء. وقد جاءت هذه الأوراق من خمس دول، وهي: المغرب بسبعة أبحاث، السعودية بستة أبحاث، الجزائر بخمسة أبحاث، مالي وتايلاند ببحث واحد لكل منهما. ثم شرع مقدم الندوة الدكتور محمد كوجيلي بتقديم برنامج الندوة وفق إطاره المحدد، حيث قام بتقديم الأساتذة الذين يتولون رئاسة الجلسات، تباعاً وذلك وفق البرنامج.
في اليوم الأوم عقدت جلستان، حيث خصصت الجلسة الأولى للمحور الأول وترأسها الأستاذ الدكتور عبدالغني قزبير من المملكة المغربية، وسعت لتقديم مقاربات تفسيرية وتوصيفية في إطار محور: قراءة ظاهرة الشذوذ الجنسي واستشرافها. ونهضت الجلسة الثانية للتصدي المحور الثاني في الندوة المتمحور حول: الأفكار والأنساق والظواهر ذات العلاقة بالشذوذ الجنسي، وترأسها الأستاذ الدكتور حسن الذبياني من المملكة العربية السعودية.
وفي اليوم الثاني واصلت الندوة جلساتها، حيث خصصت الجلسة الثالثة لمحور الأبعاد النفسية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والطبية والسكانية والبحثية لظاهرة الشذوذ الجنسي، وقد ترأسها الدكتور أحمد موسى بدوي من جمهورية مصر العربية. وأما الجلسة الرابعة فقد جهدت لتناول محور جهود الدول العربية والإسلامية في مقاومة الشذوذ الجنسي، وقد أدارها الأستاذ الدكتور عبد الله البريدي من المملكة العربية السعودية.
وفي اليوم الثالث، عقدت الجلسة الخامسة التي سعت لتلمس علاج ظاهرة الشذوذ الجنسي، وهو المحور الخامس في الندوة، وقد سير أعمالها الأستاذ الدكتور لخلافه متوكل من المملكة المغربية.
هذا وقد خُصص عقب كل جلسة علمية وقتٌ كافٍ للمداخلات والنقاشات، حيث أثرى الحاضرون من السيدات والسادة الأوراقَ بمقترحاتهم وأفكارهم وملاحظاتهم في سياقات حوارية هادئة رصينة، ضمن مداخل علمية متنوعة ومقاربات بحثية عديدة، مما كان له أثرٌ إيجابيٌ في الإنضاج والتسديد، بما يحقق الأهداف المتوخاة من عقد هذه الندوة العلمية الدولية.
وبعد طرح الأوراق البحثية والتداول حولها في الجلسات العلمية الخمس، انتهت الندوة إلى باقة من النتائج المهمة حيال ظاهرة الشذوذ الجنسي، من حيث التشخيص والقراءة والتفسير والاستشراف والعلاج، وتعميماً للفائدة وتعضيداً للعمل العربي الإسلامي المشترك، فقد ارتأى المركز بلورة توصيات ذات طابع عملي، وجعلها في عناصر مختصرة مكثفة، وذلك كما يلي:
التوصية الأولى: التذكير المستمر بأن حكمة الله تعالى البالغة اقتضتْ إيجادَ منظومةٍ دينية أخلاقية متكاملة، تضمن بقاءَ المجتمعات واستمرارَها ونموها وتماسكها وتكافلها؛ مما جعلها تُحصّن الأسرة وأفرادها بباقة من المبادئ والشروط والآداب والحقوق والواجبات في قالب متوازن عادل وإطار تكاملي شامل، يوافق الفَطَرَ السليمة ويحافظ عليها وينمّيها ويثمّرها في ميادين الأفكار والسلوك. وتعد هذه المنظومةُ الربانية أساسَ المعالجة لظاهرة الشذوذ الجنسي من جهة بنائية تأسيسية، ومن جهة تقويمية علاجية.
التوصية الثانية: إن ظاهرة الشذوذ الجنسي بحركة تمددها وتوسعها غير المسبوق في التاريخ الإنساني، وتنوع تمظهراتها وأشكالها وممارساتها، لتشكل تهديداً وجودياً لبني البشر بمختلف أديانهم ومذاهبهم وثقافاتهم وحضاراتهم، مما يرسخ ضرورة التعاون على المستوى الدولي وتفعيلاً لكافة الأديان والمذاهب والفلسفات، لتكوين ما يمكن أن يشكّل “حلف الإنسان السوي”، والسعي لتوفير مقومات نجاحه، عبر الدعم المالي والبشري والمعلوماتي والبحثي والتقني.
التوصية الثالثة: التأكيد على ضرورة الاستخدام الدقيق للمنظومة الاصطلاحية، وذلك لخطورة الاصطلاحات في تكوين الأفكار والاتجاهات والأنساق في الحياة المعاصرة، مما يقضي بوجوب استخدام مصطلح “الشذوذ الجنسي” للتعبير عن الانجذاب الجنسي غير الطبيعي لأفراد من نفس الجنس وأي ممارسات جنسية شاذة أخرى، والحذر من استخدام مصطلح “الـمثلية الجنسية” أو أي مصطلح ضبابي آخر، حيث يمارس تطبيعاً مفاهيماً ونفسياً وثقافياً خطيراً مع ظاهرة الشذوذ الجنسي الشنيعة.
التوصية الرابعة: التأكيد على أن التصدي للشذوذ الجنسي تشخيصاً وقراءة وتفسيراً وعلاجاً يستلزم الفهم المعمق لجذوره الفلسفية وأسسه النظرية وأنساقه المفاهيمية كالوجودية والنسوية والجندرية و”نظرية” الكوير، فالانشغال بالتصدي لمظاهر الشذوذ الجنسي أو أسبابه المباشرة أو تفنيد أفكاره وممارساته الظاهرة، في غفلة عن جذوره الفكرية العميقة ومفاهيمه المؤسسة يوشك، على أهميته، ألا يؤدي إلى النتائج المرجوة، مما يرسخ أهمية التوجه إلى الشجرة المفاهيمية التنظيرية الشاذة لاقتلاعها من جذورها بلغة فلسفية علمية أدبية ملائمة؛ تتغذى على ماء التوحيد والقيم والفضيلة، وتثمر في حوض الشخصية السوية المعتدلة المنتجة.
التوصية الخامسة: نظراً لكون الشذوذ الجنسي يتطور في أفكاره ومفاهيمه وممارساته وآلياته وجماعاته ورمزياته، فإنه يسعى دوماً إلى أن يلوذ بمزاعم علمية متنوعة، مما يتطلب الدراسة التتبعية النقدية المستمرة لهذه المزاعم الموهومة وتفنيدها بطريقة منهجية رصينة دقيقة. ومن هذه المزاعم ما يتصل بالعلاقة المتوهمة بين الشذوذ الجنسي والجينات، ولقد أثبتت الندوة بأرواق بحثية رصينة عدم صحة هذا الإدعاء وبطلانه، وتهافت الأدلة المقدمة في هذا السبيل، وأبانت أسباب هذا التهافت من جهة المنهج والأدلة والنتائج.
التوصية السادسة: إجراء دراسات شرعية ونفسية واجتماعية وتربوية واقتصادية وفلسفية عابرة للتخصصات، تستهدف التحديد الدقيق للعوامل التي يمكن أن تشكل فكر الشذوذ الجنسي ونسقه وسلوكه، مع السعي للإفادة من منهجية بناء النماذج التفسيرية، وذلك لعمقها في التوصيف والتفسير والاستشراف للظواهر المركبة المعقدة المبهمة. ويدخل في ذلك تنفيذ دراسات نوعية بقوالب ميدانية استقصائية بين أعضاء مجتمع الشواذ حول الأسباب والعلامات الأولى للسلوك الجنسي، أو تعديل الجنس ونحو ذلك، إذ سيساعد هذا النهج جنبا إلى جنب مع التحليل النقدي للأدبيات المتخصصة، في تشكيل صورة شاملة للأسباب الحقيقية للشذوذ الجنسي، ودحض فرضية العوامل الوراثية، أو ارتباط الشذوذ الجنسي بالجينات أو أي مزاعم علمية موهومة.
التوصية السابعة: تشجيع طلبة الدراسات العليا النابهين في مختلف التخصصات العلمية على دراسة الأبعاد المختلفة لظاهرة الشذوذ الجنسي وفق برامج بحثية عميقة ذات طابع تكاملي وتراكمي، باستخدام المناهج النوعية والكمية والمختلطة، مع السعي لتشخيص المشكلة في سياقات ميدانية واقعية، للوقوف على أسبابها المباشرة واقتراح حلول ناجعة لها في بيئاتها المحلية، بما يعظم الانتفاع من النتائج بأسلوب علمي مباشر قدر الإمكان.
التوصية الثامنة: ضرورة سعي الدول العربية والإسلامية لإدماج أحكام الإسلام الخاصة بالشذوذ الجنسي، وإطاره الديني والأخلاقي والفقهي والقانوني والسلوكي، في المقررات الدراسية في المراحل المختلفة بشكل ملائم كماً ونوعاً، مضموناً وأسلوباً، حماية للناشئة من انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي وأفكارها ورموزها وأنساقها وممارساتها البشعة.
التوصية التاسعة: توعية الأسر والطلاب بمخاطر تعرضهم لحملات ترويجية لظاهرة الشذوذ الجنسي وتغيير الجنس وكل ما يرتبط بهذه الظاهرة، عبر الأفلام والدعايات والبرامج الحوارية وشبكات التواصل الاجتماعي، والسعي لإيجاد حوارات ومنصات تربوية فكرية علمية؛ في سياقات أسرية وتعليمية وإعلامية هادفة، تلائم مختلف الشرائح الاجتماعية، مع الإفادة من طروحات علماء الشريعة والاجتماع والنفس والأحياء والطب في التوعية والتحذير من آفات هذه الظاهرة الخطيرة.
التوصية العاشرة: ضرورة العمل على مراجعة المدونات التشريعية في البلاد العربية والإسلامية، بغية تطويرها والسعي لإكمالها بمنظومة قانونية مربوطة بآليات وإجراءات فعالة، من شأنها اجتثاث الأفكار والأنساق والاتجاهات المسوِّقة لظاهرة الشذوذ الجنسي والمجذرة لسلوكياته الشنيعة، وتشديد باب العقوبات في هذا المجال، لردع أي أعمال ترويجية فضلاً عن ممارسة فاحشة الشذوذ الجنسي بكل صورها وأشكالها البشعة، ويدخل في ذلك حظر تأسيس أي جمعية أو كيان تنظيمي يمارس الأعمال الترويجية أو التسويقية، مع الإشارة إلى أن هذه الجمعيات والكيانات تشكل عادة طابوراً خامساً في مجتمعاتها، حيث تقوم بالتنسيق الآثم مع بعض الجهات الدولية المشبوهة أو الداعمة للشذوذ الجنسي، مما يولد ضغطاً دولياً في السياق الحقوقي أو الإعلامي أو الاقتصادي على هذه الدولة أو تلك. وتتأكد خطورة هذا التوجه مع سعي بعض الدول الغربية إلى شذونة الفعاليات العالمية (=جعلها شاذة) عن طريق فرض القبول برموز الشذوذ الجنسي وممارساته الممقوتة، بشكل أو بآخر.
التوصية الحادية عشرة: التحذير من حركة سلعنة الشذوذ الجنسي في سياقات الثقافة المادية الاستهلاكية واللذة النفعية العابرة في الحياة المعاصرة، وبخاصة مع ربط الشذوذ بطرق ماكرة غير مباشرة مع تغيير الجنس، ونحو ذلك من التقليعات المربكة لهُوية الإنسان وجنسه ووظيفته، ويدخل في هذه السلعنة المقلقة سعي الجهات المشبوهة إلى استخدام شبكة الإنترنت المظلمة أو العميقة، مما يتطلب ضرورة التصدي الرقمي والسيبراني لهذه الشبكة السفلية الخطيرة، التي تُعد لأن تكون منصة للشذوذ الجنسي والجريمة والمخدرات والإرهاب في توليفة مركبة غامضة.
التوصية الثانية عشرة: ضرورة توجيه الجهات المسؤولة في عالمنا العربي والإسلامي لبحث الوسائل العلاجية التي تساعد الشَّواذ على التخلّص من هذا الداء الوبيل والسعي لتطويرها بما يلائم المجتمعات المحلية، مع نشر وإشاعة الدراسات التي تُظهر تعافي أعداد كبيرة من الشواذ واستجابتهم للعلاج الصّحيح؛ وذلك بغرض إبطال الـحتميات الـموهومة التي يتعلّق بها أنصار الشذوذ الجنسي.

وفي الختام، يقدم مركز الأمير عبدالمحسن بن جلوي للبحوث والدراسات الإسلامية الشكر الجزيل للدول العربية والإسلامية على جهودها التراكمية الخيَّرة في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة في المحافل الدولية بشتى الطرق والأساليب، مع تثمين خاص للدور القيادي الطليعي للمملكة العربية السعودية في هذا السبيل؛ بمكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية وقوتها الناعمة، والله الموفق لكل خير ورشاد.

 

حصة بنت عبد العزيز

‏كاتبة مهتمة بالمجال الصحفي، أرى أنه إلزاما علي، أن يكون ماأقدمه للقارئ، ثروة حقيقية يتمتع بها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى